السبت، 28 ديسمبر 2013

مخاض صحافتنا العسير :عبده حقي

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  3:16 ص

مخاض صحافتنا العسير :عبده حقي
إن الوضع الصحافي اليوم بالمغرب بات أشبه بقيامة إعلامية .. تتدافع فيها الصفحات الورقية بالصفحات الإلكترونية بمواقع التواصل الإجتماعية ، وتتلاطم فيها كتائب أقلام البيك بجحافل الفئران الرقمية .. مد وجزر.. كروفر.. الكل يحسبون أنفسهم حقانيين ويشيرون إلى الآخرين بأنهم هم الجحيم ، فيما ينعت هؤلاء زملاءهم السابقين بأهل الكهف النائمين … وبات السؤال المحوري هوكيف تخرج صاحبة الجلالة على إختلاف أسانيدها سالمة ومعافاة من الشراك التي ورتطها فيه الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والإتصال
قد نلتمس الأعذارلجميع الفرقاء وخصوصا لبعض أساتذتنا الذين إشتعلت رؤوسهم وذقونهم شيبا في ردهات جرائدهم السيارة وبعض الجرائد المغمورة على حد سواء من أجل أن تصيرالصحافة المكتوبة رقما أساسيا في المعادلة السياسية والديموقراطية بوطننا منذ سنوات الرصاص .. سنوات الصحافة المناضلة .. لسان الحزب وكوة ناره الداخلية .. الصحافة التي كانت تشق طريقها رأسا في الكثيرمن المواقف إلى متاعب سين وجيم ، ليس بسبب تهم السب والقذف الباحثة عن الإثارة وافتعال الضجة الإعلامية بهدف الرفع من رقم المبيعات مثلما يحصل في الوقت الراهن وإنما هودرب الرأي المسؤول الذي كان يجرجرالصحافي المسكين أحيانا من لسان قلمه إلى ركن صقيعي في الكوربيس أودرب مولاي الشريف .
ونلتمس الأعذارلزملائنا في الصحافة الورقية أيضا لكون كل هذه التلال من الكاغيد والورق منذ نصف قرن ونيف تقريبا هي بكل يقين جزؤ من تاريخنا الطويل والساخن تم تحبيره بكثيرمن دم الأعصاب والعرق واللهاث والسهاد وضرائب الإلتزام إلى درجة أن مهنة المتاعب قد قيست بجهاد الخبرالمقدس في معركة مفتوحة على العديد من الجبهات اليومية ضد التسلط والأمية ولوبيات إفساد أحلام الإستقلال ..إلخ
إن إنسجام وانخراط الصحافيين في عصرالرقمية اليوم بقدرماهو مواكبة قسرية وضرورة لتطورصحافتنا ، هوأيضا في العمق شيء مرير ومؤلم وجدانيا وحسيا .. فهذه الجريدة ـ أمنا المناضلة ـ التي كنا ندسها من تحت معاطفنا في سنوات الرصاص خفية من عيون الرقباء والبصاصين وزوارالليل .. ندسها مثل مخطوط كنزمرصود ونفيس من دون شك أننا نشعراليوم بالمرارة وزفرة الحزن النوستالجية ونحن نراها كيف يجرجرها مارد الإنترنت من تلابيب ورقها ويلقي بها على الرصيف مثل قشرة برتقالة ممصوصة
إنه نفس الإحساس الذي تقاسمناه ونتقاسمه اليوم .. هذه الجريدة الورقية التي كنا نتصفحها خلسة في الأحياء الخلفية ومقرات أحزابنا اليسارية كيف صارت اليوم مثل (شيفون) مع الأسف لتلميع الفيترينات فحسب وفي أحسن الأحوال أداة للعب الإقرائي على رقعة الكلمات المتقاطعة .. إنها حقا لنوستالجيا محزنة وصادمة  .. لكن يقينا وفي العمق أن لاشيء إنمحى أوسوف ينمحي من تاريخها التليد إذ إن المستقبل أي مستقبل مهما تنكرلبداياته هو في الحقيقة واقع لفكرة ماضي متدفق لايتوقف مجراه أبدا. فما كان إعلامنا المكتوب ليصل إلى هذه الغرة الضويئة على جبين الإعلام العربي لولا جرائدنا العتيدة التي كانت بحق مدارسنا السياسية التي تعلمنا بها وعلى صفحاتها كيف نقاوم ونجادل ونساجل في معضلاتنا السياسية والديموقراطية .
وبكل صدق لانستطيع أن نخفي اليوم هذه الحرب (النظيفة) حتى لانقول المفتعلة بين الأسانيد الإعلامية التقليدية والأسانيد الحديثة التي فجرتها الرقمية والإنترنت وتكنولوجيا المعلوميات والإتصال والتي خمن البعض قبل الأوان أنها قد نزلت لتعصف بصرح الصحافة الورقية وتلقي بها في رفوف النسيان .
ويؤسفني حقا أن يتبأراهتمامنا حاليا وفي هذا المنعطف التاريخي الإعلامي حول من هم  أحق بالريادة الإعلامية ومن هم أحق بالتحاورمع الوزارة الوصية على قطاع الإتصال ومن هم أحق بالتمثيلية في الهيآت النقابية ومن هم أدرى بشعاب الخبروالمعلومة الذهبية ومن هم .. ومن هم .. ومن هم ..إلخ بينما كان من أوجب الواجبات علينا جميعا على إختلاف منابرنا وألواننا السياسية ومرجعياتنا الإديولوجية البحث عن الآليات القمينة بتطويرالقطاع الإعلامي السمعي والبصري والمكتوب والإلكتروني وليس (الإلكتريكي) كما نعته أحد الزملاء والذي نسي انه لولا هذا الإلكتريك لتعطلت جميع حواسيب الجريدة التي يعمل بها كرئيس تحريروجميع الجرائد على وجه الأرض ـ أقول ونسينا التفكيرفي الإستثمارالأنجع للجسورالقائمة بين جميع هذه الأسانيد التي مددتها التكنولوجيا والإنترنت .
ومهما إختلفنا في المرجعيات والأدوات فإن التكنولوجيا قد حتمت علينا شئنا ذلك أم أبينا أن نتعايش تحت سقف الحاسوب حيث على شاشته الفضية إنمحت الحدود الواقعية بين الإذاعة والتلفزة والسينما والجريدة والموقع الإلكتروني الإخباري والوكالة ..إلخ
لقد بات الرهان الإعلامي اليوم أخطروأعقد مما كان عليه في السابق ، أيام كان الصحافى بربطة عنق وكوستيم بلون الحزب ومحفظة ومقرجريدة في الشارع الرئيسي بإحدى العاصمتين إما الرباط أوالدارالبيضاء . فاليوم صاربإمكان الصحافي أن يمارس جزءا من من مهنته وهوفي بيجامته وعلى سريره وأمامه جهازان لاثالث لهما ـ الموبايل وحاسوبه ـ الذي يتنقل عبره بين مئات الجرائد والقنوات والإذاعات والوكالات والفيديوهات ..و..و.. إلخ وصاربإمكانه ان يحررالخبروينسقه ويدعمه بالوثائق الصورية ..إلخ وينشره في موقعه الإخباري وقد يلجأ إلى تحيينه وقتما تطلب الأمر ذلك بعد دقائق ، مما جعل الرهان أساسا يتمحورحول إشكال واحد هو من يسبق من إلى المعلومة وصدقيتها قبل أن يجفف دمها الزملاء والإخوة (الأعداء) من موقع حدوثها على الأرض الواقعية أو الأرض الإفتراضية .
وأخيرا يؤسفني أن تكون نصف مكاسبنا قد ضاعت في دوامة عقلياتنا المدمنة على التدافع بالمناكب وأننا لم نتعلم من الممارسة الديموقراطية سوى عقلية التفتيت والتشرذم إلى درجة أن مشهدنا الإعلامي والإلكتروني بالخصوص قد أصيب بزكام الفيس بوك حيث بات باستطاعة أي مواطن أن ينشء صفحة ويطلق عليها إسما بيافطة غليظة من قبيل الجمعية أوالإتحاد أوالجامعة اوالمنظمة أوأي رعب إفتراضي آخر.   

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

    Popular Posts

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير
back to top